[center][color:fd27=orange][size=24]د. أحمد الشرقاوي
دور الأسرة المسلمة في التربية دور أساسي لا يمكن إغفاله؛ فالأسرة المسلمة هي المحور العام والمنطلق الأساس للتربية، والأسرة هي المنسق والموثق بين الأولاد وجميع المؤسسات التربوية الأخرى، وهي المسؤولة عن متابعة الأولاد والإشراف عليهم.
وتربية الأولاد فريضة شرعية، وحق من حقوق الأولاد على الآباء والأمة، قال تعالى في سورة التحريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عليهَا مَلَائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم]
فالواجب على الإنسان أن يصلح نفسه وأهله، ولا يشغله إصلاح نفسه عن إصلاح أهله، ولا ينشغل بإصلاح أهله عن إصلاح نفسه، ولا ينشغل بعيوب غيره عن عيوب نفسه.
وتربية الأولاد أمانة ومسؤولية على عاتق الآباء والأمهات يسألهم الله عنها يوم القيامة قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: ((إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه حفظه أم ضيَّعه ويسأل الرجل عن أهل بيته)).
ضرورة عصرية:
لا سبيل إلى النهوض بالمجتمع المسلم علمياً وإيمانياً وخلقياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً إلا من خلال التربية الأسرية التي تسعى إلى إصلاح الفرد ليكون لبنةً صالحةً، وعنصراً نافعاً في المجتمع؛ فبصلاح الفرد يصلح المجتمع، ومن أهم أسباب تخلف العالم الإسلامي وتراجع حضارته وتفرق وحدته، غياب دور الأسرة التربوي في إعداد الجيل المسلم الذي يعيد للأمة مجدها ونهضتها وعزتها وكرامتها، وصلاحها وقوتها؛ فالتربية حصن مكين من مكائد أعداء الدين.
وقد نتج عن غياب دور الأسرة، وتنحيته، إتاحةُ الفرصة لأهل الفسوق والانحلال والفساد والضلال كي يبثوا سمومهم، وينشروا ضلالهم من خلال سيطرتهم على كثير من وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم.
من هنا كانت الأهمية البالغة للتربية الأسرية لتحصين الأجيال من تلك السموم التي صارت تُبَث من جهات شتى لإثارة الشبهات، وتهييج الشهوات من خلال الصحف والمجلات والفضائيات والكتب والمجلات والندوات والمؤتمرات.
هذا السيل العارم يحتاج إلى حصن منيع لاسيما وقد سقطت كثير من الحصون في أيدي أعداء الله، وصار الحِملُ ثقيلاً والعبء جسيماً على الأسرة المسلمة التي صارت مهددة ومستهدفة من أعداء الإسلام.
فما أحوجنا إلى أن نتمسك بهذا الحصن، وأن نتشبث به، وأن نعلم أنه لا سبيل لنا إلى استعادة حصوننا الأخرى إلا من خلاله؛ فهو المنطلق لنا إلى الإصلاح الشامل في شتى الجوانب.
التربية الإيمانية طريقك إلى الجنة:
بالتربية الأسرية القويمة نخرج أجيال النصر والتمكين التي تحتاج إلى تربية راشدة، وللتربية الإيمانية ثمراتها الباقية للأسرة؛ حيث ينعم الأبوان ويتمتعان ببِرِّ أولادهما الصالحين الذين تربوا على الأخلاق والقيم الأصيلة، وينتفعان بصلاحهما بعد مماتهما؛ لأن الله - تعالى - ينفعهما بدعاء ولدهما الصالح، ويرفع درجتهما باستغفاره وصلاحه، وفي ذلك يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقولُ يارب أنَّى لي هذه؛ فيقول باستغفار ولدك لك))، فمن أراد أن يُرزق ببر أولاده فليجتهد في تربيتهم تربية إيمانية؛ لأن المؤمن يعرف حق الله - تعالى - عليه وحق أبويه وحق زوجته وأولاده وسائر الحقوق، ومن أحب أن ينعم بصحبة أهله في جنات النعيم فإن الطريق إلى لَمِّ شمل الأسرة في الجنة يبدأ من التربية الإيمانية للذرية قال - تعالى - في سورة الطور: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور]، وقال - عز وجل - في سورة الرعد: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ على هِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عليكُم بِمَا صَبَرْتُم ْفَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23،24].
ومن دعاء الملائكة - عليهم السلام - كما أخبر القرآن الكريم: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وعدتهم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر8].
ومن أعظم الخسران أن يخسر الإنسان نفسه وأهله قال - تعالى -: {قُلْ إن الخاسرين الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يوم القيامة أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر15].
من هنا كانت أهمية التربية وثمراتها العاجلة والآجلة، وفوائدها الجمة للآباء والأبناء، للفرد والمجتمع، في الدنيا وفي الآخرة، والله أعلم.
المؤهلات التربوية للأسرة المسلمة:
إذا كان لا بد للمعلم والمعلمة من الحصول على مؤهل تربوي إضافة إلى التخصص العلمي، فما هي المؤهلات التربوية للأسرة المسلمة التي يُسنَد إليها القيام بالدور الرئيس في تربية الأبناء، ما هي التربة الصالحة، وأي بلد طيب، وأي بيئة سليمة نقية ينبغي أن ينشأ فيها فتياننا، أليست الأم أحوج إلى التأهيل والإعداد. [/size][/color][/center]