[center]
[size=18]تعبر حالة حضور المدونات ( blogs ) فى الفضاء الإليكترونى عن ظاهرة بحثية جديرة بالرصد والتحليل والفهم ، إذ أصبحت تتيح مساحات للتعبير عن حيز متسع من القضايا والأحداث المتعلقة بمختلف الشئون العامة ، ليتأكد عبر متابعة أدوارها أن عددا منها يتجاوز نطاق كونه تعبيرا ذاتيا عن رؤى ومواقف شخصية للعمل كساحة يتم من خلالها عرض وإدارة نقاش عام وبلورة توجهات بشأن قضايا ذات أولويات جماهيرية ذلك أن " ما يمنح المدونات أهميتها كوسيلة إعلامية جديدة هو تيسيرها لكل الوظائف الإعلامية المتعارف عليها فضلا عن تطوير سبل تأديتها وزيادة التفاعلية و تواجد صفة الفورية فى عملها وتعدد مراكز الإتصال والمشاركة فى مناقشة الشأن العام و بصورة غير مسبوقة " .
وتشير الإحصاءات الدولية إلى عمق انتشار ظاهرة المدونات وتضاعف أعداد جمهورها وهو أمر ربما يرجع إلى طبيعة ماتقوم به من أدوار معرفية وتأسيس مجالات للنقاش ارتباطا بالأحداث العامة الجارية ، وهو دور يتسع نتيجة قدرتها أيضا على التقاط أحداث ومعالجتها خارج نطاق ماتقدمه وسائل الإعلام التقليدية السائدة .
وقد أدركت وسائل الإعلام الكبرى أهمية المدونات للجمهور فقامت بتأسيس مدونات متخصصة فى قضايا وموضوعات محددة وضمنتها على مواقعها الإليكترونية" ، فصحف كبرى دولية مثل النيويورك تايمز و الواشنطن بوست صنعت مدوناتها الخاصة وكذلك فعلت قنوات مثل ( CNN) و ( MSNBC) وغيرهما.
ويصف باحثون ظاهرة التدوين بأنها تمثل نمطا صحفيا جديدا من صحافة المواطنين من خلال تركيزها الواضح على قضايا سياسية واجتماعية مما يجعلها أحد مدخلات الخطاب العام المطروح على المجتمع .
دراسة جديرة بالاهتمام
ومن بين المهتمين أكاديميا بظاهرة التدوين ، برز الدكتور هشام عطية الأستاذ المساعد بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ، الذي أعد دراسة علمية عرضها مؤخرا في مؤتمر " الأسرة والإعلام وتحديات العصر " ، تحت عنوان " خصائص المجال العام لتقديم التعبيرات السياسية والاجتماعية عن قضايا وأحداث الشئون العامة فى وسائل الإعلام الجديدة : دراسة تحليلية لخطاب المدونات المصرية " ، والذي نجح من خلالها في التأكيد علي أهمية دراسة مجال المدونات نتيجة لما تتضمنه من أطروحات متنوعة سياسية واجتماعية تحمل رؤى وأفكارا ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بالعديد من القضايا والموضوعات الداخلة فى دائرة الحقوق المدنية والسياسية والإجتماعية المختلفة ، تتضح من خلال ماتشهده من متابعة وتعليق على قضايا وشئون عامة لها أولوية مجتمعية وتحتل مساحة مهمة فى النقاش العام فى مصر.
وكانت الدراسة في شكلها الأكاديمي تسعي إلي تحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل في التعرف على أجندة القضايا المركزية التى تطرحها مدونتا " الوعي المصري ، نورا يونس " للتعرف على مراكز اهتماماتهما فى مجال معالجة وتقديم مختلف الشئون العامة ودلالات ذلك، والتعرف على أجندة القضايا الثانوية التى تتضمنها كل قضية مركزية ودلالتها فى التعبيير عن اهتمامات مدونتى الدراسة ، وكذلك تحليل خطاب مدونتى الدراسة المعنى بتقديم هذه القضايا من حيث نوع الأطروحات المستخدمة فى التعبير عن المواقف والحجج الداعمة لهذه الأطروحات .
خارج حدود الذاتية
عملت مدونتا الدراسة " الوعى المصرى " و " نورا يونس " خارج حدود سرد اليوميات والتعليقات الشخصية عن الشئون العامة ، وخارج حدود التعبير عن إنشغالات ذاتية وقضايا فردية لتعبرا بحق عن تشكل مجال عام حقيقي يقوم بعدد من المهام تدخل ضمن حدود ماتعارفت عليه الأدبيات البحثية أنه مجال عام تشكله المدونات Blogosphere باعتبارها وسائط إعلامية جديدة ، وهو مجال عام يتأسس على فعاليات وخصائص شبكة الإنترنت Networked public sphere .
كما سعت المدونتان نحو تعريف وتوثيق وتتبع لإنتهاكات حقوق الإنسان فى شتى ممارساتها ، خاصة مايتعلق منها بالتعذيب والإعتقال والحقوق الإقتصادية للفقراء ، وحرية الرأى والتعبير ، والتحرش بالنساء ،وبحيث مثل ذلك المظهر النشط والأكثر فاعلية لعملهما كمجال عام ، كما وسعت من حالة النقاش حول هذه القضايا ، وأشركت جمهور المدونتين كفاعل نشط فى تطوير الحوار وبلورة توجهات لتلعب أدوارا ذات صلة مباشرة بصحافة المواطنين التى تجعل من الإنسان العادى محورا لتغطيتها ، وهى فى هذا الصدد شهدت جدلا وحوارا ، وأغرت الجمهور بالمشاركة وفعلت من دوره عبر امداد التدوينات بوقائع ذات صلة سواء فى شكل معلومات أو لقطات فيديو أو صور تدخل فى ذات الإطار .
ولعبت المدونتان دورا بديلا وأحيانا مكملا لأنشطة الفعاليات المدنية المختلفة ، مستفيدة من الحرية النسبية المتسعه للحركة فى الفضاء التدوينى ، مما أتاح لها مساحات تعبير سياسى واجتماعى كبيرة جذبت جمهورا متنوعا.
منافسة شديدة لوسائل الإعلام
قدمت أيضا مجالا منافسا وأحيانا بديلا يطرح ما لاتقدمه وسائل الإعلام السائدة من موضوعات وقضايا الشئون العامة وأدارت نقاشا حوله ،وسعت نحو تعبئة الرأى العام فى اتجاهات محددة ، كما حدث فى بعض قضايا التعذيب و مسألة التحرش الجنسى بالمرأة ، حيث كانت هى المبادرة بالطرح ، وهى التى استقبلت اهتماما ومشاركة جماهيرية موسعة فى مجال الدعم بالمعلومات و لقطات الفيديو ، وفتحت نقاشا موسعا إنتقل إلى وسائل الإعلام السائده ، وتفاعل معه المجتمع ككل وأثمر عن إجراءات تنفيذية وقضائية عملت فى إتجاه محاصرة الظاهرة .
وفى هذا الصدد اهتمت المدونتان بالتفاعل مع مختلف وسائل الإعلام عبر تضمين روابطها ، وعملت فى احيان كثيرة كناقد لبعض مواقفها وأنماط تغطيتها للأحداث والقضايا العامة .
وتميز أداء المدونتين بسرعة تغطية الأحداث ومنافسة مؤسسات اعلامية كبيرة فى إمكانياتها عبر سرعة الرصد وتنوع وفرادة تقديم وقائع لاتنشرها ولا تبثها وسائل الإعلام السائدة ، كما حدث فى مجال تغطية أحداث إضراب المحلة الكبرى وما ارتبط بها وتلاها من أحداث ، وفيما يخص كذلك مختلف المظاهرات والإضرابات التى شهدتها فترة الدراسة ، وحتى حصار غزه وما تزامن معه من اختراق منتسبى حركة حماس للسور الحدودى مع مصر ، و كذلك حريقى مجلس الشورى والمسرح القومى.
كما تمكنت المدونتان من جذب جمهور متسع بحيث شهدت فى بعض القضايا معدل مرور يومى بلغ عشرات الآلاف وهو ما يعبر بحق عن اتساع مساحة الدور الذى تضطلع به المدونات فى الواقع ، وتخطيها لدور بعض وسائل الإعلام القائمة من حيث حجم ومدى فعالية تواصلها مع الجمهور نتيجة سهولة الإتاحة وجرأة الطرح ومساحة التفاعلية الممنوحة ، وهو أمر ازداد بروزا فى حالة تناول قضايا وشئون عامة جدلية و مثيرة و ناقدة قدمتها المدونتان.
أجندة متميزة
تضمنت أجندة القضايا الرئيسية التى طرحتها مدونتا الدراسة حيزا متنوعا يؤكد تركيزهما على تغطية مختلف قضايا الشئون العامة ، حيث واكبت المدونتان مختلف الأحداث والقضايا المثارة فى الواقع بالرصد والعرض وطرح المواقف وإدارة النقاش حولها ، والسعى نحو بلورة توجهات محددة و أحيانا الحث على القيام بسلوكيات محددة .
وهكذا تنوعت أجندة القضايا المطروحة لتتضمن قضايا سياسية وقضايا تتعلق بالحقوق المدنية للمواطنين ، وقضايا خاصة بحرية الرأى والتعبير ، وامتد الإهتمام ليشمل شئونا أخرى خارجية ، كما تضمنت الأجندة قضايا اقتصادية تطرح وتناقش أحوال الفقراء فى مصر ، وامتد نطاق تغطية مدونتى الدراسة لتبادر بطرح ومناقشة قضية التحرش الجنسى بالمرأة ، وتساهم فى توثيق ممارساتها وعرضها على الرأى العام واثارة نقاش مجتمعى موسع عن التحرش وكيفية التصدى له منبهة إلى مخاطره وأثره على الصورة القومية وعلى شعور المواطنين بالأمان فى الشارع المصرى .[/size][/center]