قصة
قدر سعاد
تجلس القرفصاءوالليل قد أرخى سدوله على المدينة
وفي الشارع الرئيسي للمدينة يضاء من ضوء خافت ينبعث من عمود نور بجانبه
باكية العينين لا يرى عليها أثر الإنحراف لأنها كانت من أسرة محافظة
ولم يتجاوز عمرها خمسة عشرا ربيعا كانت ممشوقة القد ساحرة العينين هلالية الحاجبين
سوداوية العينين
وقد سترت شعرها الكتيف وراء حجاب
فقدت المسكينة سعاد أمها التي كانت تديرشؤون البيت
وتمتهن العمل ببعض بيوت الجيران وينفحونها بدراهم معدودة
ويمنحونها ما فضل من طعام ولباس
كانت رحمها الله تمتاز بالجدية في التعامل والاخلاص في العمل
وكان الكل يحبها
مرضت المسكينة والتقطتها يد المنية ولم تبلغ بعد الخمسين
وتركت وراءها سعاد بطله قصتننا
وتركت معها زوجها الذي يمشي على كرسي متحرك ويعاني من داء السل
كانت سعاد تتبابع دراستهاإلا انها توفقت للعناية بأبيها
الذي يتقاضى راتب تقاعد من القوات العسكرية
وبقيت سعاد في الدار لرعاية أبيها وتوفير طلباته إلى أن توفي بعد عامين من وفاة زوجته
وكان المنزل الصغير الذي يأوي الأسرة يشغل عن طريق الكراء
ولما توقفت سعاد عن الأداء اعطاها رب الملك أجل ثلاثة أشهر لتخلي الدار
ورت الايام وسعاد شارة الفكر تذهب يويا الى الشارع الرئيسي لتخفف من آلامها ولو بعض الشيئ
جاءتها إحد ى الجارات بطعام وفتحت معها موضوع الإخلاء
قالت لها لا تبتإسي ياسعاد: أنت زي بنتي آتريد ان تعينني على أشغال الدار
قالت لها سعاد:أنا مستعدة منذ الآن
وماذا أعمل بهذا العفش القديم
قالت لها الجارة :سأساعدك على بيعه لدى تجار الخردة ولدي تاجر أعرفه منذ أعوام وأتعامل معه
سأهاتفه ليتأتي حالا
فرحت سعاد
وبعد ساعة حضر التاجر واتفقت معه الجارة على ثمن يرضي الطرفين
قبلت سعاد بالمبلغ المتفق عليه
تسلمت المبلغ وأعطته للجارة كي تحتفظ به للأيام المرة التي تنتظرها
وسلمت المفاتيح لرب الدار وذهبت مع الجارة
حيت خرجت معها واشترت لها بعض الملابس
ورجعتا الى الدار وسعاد قريرة العين
وأعدت لها غرفة قرب المطبخ
وارتاحت من عناء التفكير والبكاء
وحمدت الله وأثنت عليه من أجل هذه النعم التي
حباها الله بها
وبعد ساعة حضر زوج الجارة التي كانت عقيما
وأعدت طاولة العشاء
وجاءت سعاد وقبلت يد الزوج بكل احترام والحياء قد صبغ وجنتيها
وحكت له زوجنه قصتها
وفرح بما صنعته زوجته من جميل في حق هذه الفتاة
وكانت للجارة ابنة متبناة تدعى سهام
تتابع دراستهافي أرض المهجر
تحضر كل عام في العطلة الصيفية
لتقضي عطلتها في دفء مع أبويها
الذين ربيانها منذ نعومة أظفارها
ولما شاهدت سعاد ومكانتها عند والديها
حسدتها على ذلك ولعبت بعقلها أفكار شيطانية
إن بقيت سعاد هنا فلربما يتبناها الأبوان
وتسقط سهام من عينهما وتكون الكارثة
وقررت أن تتخلص منها في الحال
ونادت سعاد
هل تريدين أن ترافقيني إلى مشوار
على الرحب والساعة أختي سهام
حتى أنا مشتاقة للخروج لكسر روتين الخدمة
لبست عذه الاخيرة تيابها وغطت رأسها ورافقتها
على متن سيارتها
ذهبت المسيكنة معها لا تدري أي مصير ينتظرها
خرجت بها الى ضاحية المدينة
وامرتها بالنزول كي يستريحا قليلا ويشتما الهواء النقي
وكان الوقت عصرا
ولما نزلتا
قالت لها سهام
سعاد لازم تغادري المنزل حالاولا تعودي ابدا إليه
ساتركك هنا ودبري أمركبعيدا عنا
بكت المسكينة سعاد
وامتطت سيارتها وتركتها وحيدة في الطريق
تاسفت سعاد على ما حصل لها
وكاد الأسى يأخذهاالى الموت
لولا أن من الله عليها وألهمهاالصبر
وشرح صدرها أن ترجع من حيث أتت
واخذت وجهة الطريق المتجهة للمدينة
وهي تمشي راجلة بخطى ثابتة
وحنت لها صاحبةسيارة متجهة للمدينة
وتوقت سائلة أين تريدين ان تذهبي؟
أريد المدينة من فضلك
قالت لها تفضلي بالركوب سأنزلك في طريقي لما نصل الى المدينة
ركبت وقالت لها شاكرةرعاك الله سيدتي
لا انسى لك هذا المعروف
ولم تنطق سعاد ببنت شفة
وسرعان ما وصلتا الى المدينة
ونزلت أمام سوبر ماركت
وقفت سعاد بباب المتجر
قليلا
وشاهدت امرأة يبدو عليها الاحترام والغنى
وذهبت عندها
قائلة سيدتي أنا جوعانة عطشى
أريد بعض الطعام والشراب أسد بهما ظمأتي وجوعتي
قالت لها انتظريني هنا سأتيك حالا بما طلبت
ولما عادت لها بالطعام والشراب
سألتها عن حالها فحكت لها قصتها
رثثت لحالها وقالت لها ادخلى معي سأشتري بعض لوزم البيت ونعود
للفيلا
وقالت لها لا تحزني بنيتي
ستبقين معي ومع زوجي في الفيلا
وسأرجعك الى المدرسة كي تكملي دراستك وفي فراغك
تعينني والخادمة على اليسير من أشغال البيت
فرحت سعاد بالعرض وقبلته على الفور
كان زوج السيدة يعمل مديرا لإحدى شركاته وغالبا ما يأتي متأخرا في الليل
ليجد زوجته وخدمته وسعاد قداستسلمن لنوم عميق
وأثار انتباهه
تواجد سعاد
وفي الصباح جاءت سعاد عنده وقبلت يده
وقال لها تفضلي معنا على طاولة الافطار
مرجبا بك في بيتنا
شكرت له حسن صنيعه
ولما أتموا طعام الفطور صحبته إلى كراج السيارة تحمل حقيبة شغله
سلمتها له في باب الفيلا بعدما امتطى سيارته الفارهة قائلة له رافقتك السلامة
سيدي
ذهب منشرح الصدر لما تركته سعاد في نفسيته من أخلاق عالية
قلما توجد في غيرها من بنات سنها
ومضت أيام وشهور وسعادنا في أحسن حال
تذكرت جارتها الأولى
وما عملت معها بنتها سهام وبقي رقم هاتفها معلقا بذاكرتها
فاستأذنت ربة البيت بان تهاتف جارتها في الدرب
فأذنت لها
ولما رن الهاتف ردت عليها الجارة السلام عليكم
من معي
أنا سعاد
هل تذكريني
بالتاكيد
ألم نتشارك عيشا وملحا وكنا جيران
أينك الآن يا ابنتي؟
الحمد لله مستورة
أنا أعمل عند أناس طيبين
ألم تحتاجي لنقودك وأجرة المدة التي عملت فيها عندنا
إني اذخرتهم لك في صندوق التوفير باسمك
شكرا سيدتي عملت الأحسن
إني مأسفة يا بنتي لما جرى لك مع سهام
لقدحكت لنا كل شيئ
سعاد:سامحها الله إنها كاختي
بلغيها تحياتي
شكرا بنيتي
ما أحلمك
واتفقتا على موعد بأن تسلمها دفتر التوفير
ليبقى عندصاحبة الحساب سعادنا
ونجحت سعادنا في امتحانات السنة الثالثة بتفوق
وانتقلت إلى القسم الأعلى
ورافقت الاسرة لقضاء بعض الأيام في الطبيعة والبحر والجبال
والمناظر الخلابة التي تزخر بها بلادنا وكونها جميلة جدا تستهوي عاشقي الطبيعة من السكان الاصلين والسياح
كانت الرحلة ممتعة وأول مرة تخرج سعادمن المدينة
فرحت بكل يوم قضته بين الجبال والأنهار
والتمتع بأمواج البحر
عادوا بعد خمسة عشر يوما
وسعادنا كلها حيوية ونشاط
ومر عام ونصف
وأصبحت ربة المنزل
تعاني من ضغط قوي في القلب
مما اودى بحياتها نتيجة سكتة قلبية
بكت سعاد والخادمة كما بكى الزوج على فراق زوجته
الوفية
والتي اوصلته للعز والرفاه الذي يتمتع به
وأقيمت جنازة كثيفة المشيعين
وترحم عليها الجميع كبارا وصغارا
و\أقيم وحفل تابين يليق بمقامها
حضره اهلها وعشيرتها
وجيرانها والاصدقاء
كما حضرت فرقة من حفظة القرآن وفرقة من المسمعين
واعت لهم كؤس الشاي المنعنع الاصيل
والحلوى
وقدمت لهم طباق من الدجاج اللحم المبرقق
وأكلوا وشربو ا
وقرأوا آيات من الذكر الحكيم والذكر ومدح خير البرية
وانتهت مراسيم الصدقة في ساعة متأخرة من الليل
ومر على فراقها نحو عام تقريبا
وقرر الزوج أن يتزوج
وخطب وأتى بعروس من بلاد الشلوح الريف والجبل
ولما حضرت قررت أن تستغني عن الخدم وأمرت زوجها
أن يعطي للخادمتين حسابهما ويصرفهما عن الفيلا
وفي نيتها أن تأتي بأختيها
ونزولا عن رغبة الزوجة الصغيرة المدلعة
قرر بما أوصت به
كان الحاج بوسلهام رجلا كريما
فبقي يعطي للخادمتين أجرتيها رغم توقفهما عن العمل لديه
وقرر بأن يدخل سعاد إلى معهد دراسي داخلي به المبيت والطعام
على أن يتولى هو نفقتها وكسوتها وكل ما تحتاج إليه
وشكرت الخادمتان له حسن صنيعه
وغادرتا الفيلا شاكرتين قريرتا العين
بقيت سعاد في داخليتها طول العام تنام فيها طول الاعام الدراسي
وفي العطلة تبيت ولكن دون طعام وتتولى شراء طعامها
طيلة أيام العطلة
مرت الأعوام تباعا
وحصبلت صاحبة قصتناعلى شهادة الباكالورياثم شهاد الإجازة
في الحقوق
ونجحت في مبارت كثيرة واختارت مهنة المحاماة
وكان أول موكل عندها هو الحاج بوسلهام
وعرفها على أغلبية أصدقائه
ونجح مكتبها نجاحا باهرا
وكانت نعم الاخلاق ومخلصة في عملها
حتى أحبها جميع القضاة والمحامين وكتاب الضبط
واشترت دارا وسيارة
وابتسمت لها الحياة
كانت كريمة مع الضعفاء والمساكين وتترافع عنهم بالمجان
وهكذا استكملت القصة بنهاية سعيدة
على أمل أن تلتقي بمشيئة الله في قصة جديدة
مع تحيات محمد نجيب
كتبت في خامس ماي تسعة عشر والفين شمسية